ما هو مستقبل الإنترنت خلال السنوات القادمة؟
معمر الخليل - على الرغم من أن الإنترنت لم يظهر إلا منذ عقود قليلة، إلا أنه وخلال هذه الفترة القصيرة نسبياً، استطاع أن يحدث العديد من التغييرات حول العالم، أسس لخليط كبير من الشبكات المستقلة والعامة في كيان عالمي واسع، أوجد ملايين الفرص التعليمية والتجارية والترفيهية، مليارات الدولارات تتحرك يومياً ضمن بواباته الافتراضية، ولم يبق حبيس أجهزة الكومبيوتر فقط، بل تحررها منها ليصبح متاحاً عبر عشرات الأجهزة المختلفة.
أمام هذه القفزات الكبيرة للإنترنت، ترى ما هو الشكل الجديد الذي سوف يتحوّل إليه خلال السنوات القادمة؟.. وهل سيكون شكله بعد سنوات قليلة كما هو عليه الآن؟
هناك الكثير من العلماء والمراكز البحثية والعلمية التي تحدثت عن هذا الموضوع، وفيما يلي بعض التغييرات المتوقعة على الإنترنت المستقبلي.
1- السرعة.. أمر أكيد: الشيء الذي يبدو أكيداً لمستقبل الإنترنت، هو السرعات الفائقة التي ستصبح متاحة عالمياً. فالسرعات القديمة التي كانت مقيدة في الدايل أب (الاتصال الهاتفي باستخدام رقم هاتف للشركة المزودة للخدمة) تطور قبل سنوات قليلة إلى الدي إس إل، وبعد ذلك بدأت المنافسة في السرعة، ففي حين كنّا نسمع عن سرعات مثل 128 كيلو بايت، و256 كيلوبايت وغيرها، بتنا نسمع اليوم عن سرعات تصل إلى 20 ميغابايت في الثانية.
ويتوقع العلماء أن تصل سرعات الإنترنت خلال الأعوام القادمة إلى مئات وآلاف الميغابايتات، ليصبح بعد ذلك تصفح الإنترنت تماماً مثل تصفح الملفات الموجودة في أجهزة الكومبيوتر، ويصبح طلب فتح صفحة لا يستغرق سوى إفلات زر الماوس بعد النقر على رابط الصفحة.
أما سرعات التحميل فستكون أسرع من سرعات نقل الملفات بين مجلدات الكومبيوتر الواحد. بمعنى لو كان لدى المستخدم ملف حجمه 1 غيغابايت موجود في السواقة (C)، ولديه ملف بنفس الحجم موجود في الإنترنت، فإن سرعة تحميل الملف من الإنترنت ستكون أسرع من نقل الملف من السواقة (C) إلى أي وجهة أخرى في الكومبيوتر.
2- تغيرات في بنية الاتصال: من بين الأشياء التي سوف تحدث في المستقبل القريب، هي تغيّر بنية الاتصال بالإنترنت. ففي حين كان الاتصال قبل سنوات قليلة يحتاج إلى خط هاتفي مرتبط بمودم موجود في الجهاز، تحول في الأمس إلى شبكات الوايرلس، والتي لا يحتاج فيها جهاز الكومبيوتر للربط بسلك تلفوني مع المودم، إذ يكفي وجود تقنية الوايرلس في الجهاز لالتقاط بث الإنترنت.
ليس هذا فحسب، اليوم بدأت العديد من الدول تطبيق تقنية الواي ماكس، والتي تعطي الأجهزة المختلفة القدرة على الوصول إلى الإنترنت لاسلكياً، وبسرعات مماثلة لاتصالات النطاق العريض. كما أنها فتحت الأبواب أمام الأجهزة المحمولة والهواتف الذكية للاندماج في الإنترنت دون الحاجة لوجود أسلاك.
هناك العديد من التقنيات الأخرى التي سوف تدخل مجال المنافسة قريباً، قد تكون إحدى الأشكال الأكثر منطقية هي البث عبر الأقمار الصناعية، وبالتالي لن يكون هناك مكان في العالم لا يوجد فيه إنترنت فضائي.
3- مصادر مفتوحة: إحدى الأمور التي تضغط بعض الجهات لإقرارها في عالم الإنترنت، هو فتح الموارد والمصادر أمام الجميع.. وبالتالي فإنه وبحال تم إقرار مثل هذا الأمر، وطبقته جميع الدول، فإن كل إنسان سيكون بمقدوره الوصول إلى أي موقع في الإنترنت.. أي معلومة مهما كانت خطيرة، أو ضارة، أو سيئة، أو مبتذلة.
الجهات التي تنادي بمثل هذه القوانين تنطلق من مبدأ "الحريات والمساواة" وهي المصطلحات التي نسمعها كلمّا أراد أحد إحداث بعض الضرر في أي مجتمع.
ولتبيان الصورة بشكل جيد سنفترض أن هذا الأمر أقر بالفعل؛ فإن جميع الناس سوف يمتلكون الحق للوصول إلى أي موقع على الإنترنت، حتى لو تضمن دعوات للانضمام إلى الإرهابيين، أو مواقع تعليم صناعة المخدرات والمسكرات، أو المواقع الإباحية، أو المواقع المعارضة السياسية والإعلامية وغيرها. هذا سيجعل الإنترنت مصدراً حقيقاً لتهديد الجميع، حتى الولايات المتحدة وأوروبا لن تكون بمنأى عن التهديد، لأن الإنترنت سيكون مفتوحاً أمام أنظمة كالقاعدة وغيرها لتجنيد الناس، وإيصال صوتهم الإعلامي داخل أمريكا، وتمرير الرسائل والبيانات بين الأعضاء.
4- لا وجود للأسرار: أحد الأشكال الحديثة للإنترنت اليوم ومستقبلاً، هي أنها ستصبح مسرحاً لكشف جميع الأسرار، الشخصية والعامة، السرية والغير سرية.. ليس الحديث فقط هنا عن وثائق مثل ويكيليكس، بل حتى القوانين التي أقرتها بعض الدول الغربية، والتي تجبر الحكومة على كشف وثائق بلغ عمرها 30 عاماً. كما لا يقف الأمر عند هذا الحد.. هناك التسريبات الشخصية من بعض مسؤولي الدول، والانشقاقات،و المعارضة،والانقلابات، كل هذه الحالات ستؤدي مستقبلاً لإتاحة غالبية الأسرار والمعلومات الأكثر سرية في أي دولة عبر الإنترنت.
مما يثير الرعب في هذه الأمور، أن أسراراً مثل تصنيع بعض الأسلحة المنزلية، أو تصنيع المخدرات أو المسكرات، ستكون متاحة أمام الجميع، ليس فقط بالكلام المكتوب، بل بالصور والفيديو أيضاً.
هناك الكثير من العمل الذي يجب أن تقوم به دول العالم للوقوف في وجه مثل هذه المشكلات، كيف..؟ الجواب أكبر من أن يسطر في مقالة أو بحث أو كتاب، لأن السؤال هو حول أكثر من ترليون صفحة في الإنترنت، أي مليون مليون صفحة. وهو عدد زاد كثيراً عن عدد سكان العالم البالغ 6.7 مليار إنسان.
وبحساب بسيط فإن مقابل كل نسمة على الأرض، هناك 150 صفحة إنترنت موجودة اليوم.. وهذا الرقم يتزايد ويتضاعف يوماً بعد يوم.